responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 19
حُكْماً
[الشعراء: 83] إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْقُوَّةِ، النَّظَرِيَّةِ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ إشارة إلى كمال القوة العملية، فههنا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى رَدَاءَةَ حَالِهِمْ فِي الْأَمْرَيْنِ، أَمَّا فِي الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِهَا بقوله: إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً [النبأ: 27] أَيْ كَانُوا مُقْدِمِينَ عَلَى جَمِيعِ الْقَبَائِحِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَغَيْرَ رَاغِبِينَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْخَيْرَاتِ.
وَأَمَّا فِي الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ فَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِهَا بِقَوْلِهِ: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً أَيْ كَانُوا مُنْكِرِينَ بِقُلُوبِهِمْ لِلْحَقِّ وَمُصِرِّينَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَإِذَا عَرَفْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّفْسِيرِ ظَهَرَ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ بَلَغُوا فِي الرَّدَاءَةِ وَالْفَسَادِ إِلَى حَيْثُ يَسْتَحِيلُ عَقْلًا وُجُودُ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَتْ أَفْعَالُهُمْ كَذَلِكَ كَانَ اللَّائِقُ بِهَا هُوَ الْعُقُوبَةَ الْعَظِيمَةَ. فَثَبَتَ بِهَذَا صِحَّةُ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ: جَزاءً وِفاقاً [النبأ: 26] فَمَا أَعْظَمَ لَطَائِفَ الْقُرْآنِ مَعَ أَنَّ الْأَدْوَارَ الْعَظِيمَةَ قَدِ اسْتَمَرَّتْ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ لَهَا أَحَدٌ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يَلِيقُ بِعُلُوِّ شَأْنِهِ وَبُرْهَانِهِ عَلَى مَا خَصَّ هَذَا الضَّعِيفَ بِمَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَسْرَارِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِجَمِيعِ دَلَائِلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَالشَّرَائِعِ وَالْقُرْآنِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حَالِ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ فِي الرَّدَاءَةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُعْدِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَقَوْلُهُ: كِذَّاباً أَيْ تَكْذِيبًا وَفِعَّالٌ مِنْ مصادر التفعيل وَأَنْشَدَ الزَّجَّاجُ:
لَقَدْ طَالَ مَا رَيَّثْتَنِي عَنْ صجابتي ... وَعَنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُهَا مِنْ شِفَائِنَا
مِنْ قَضَّيْتُ قضاء قال الفراء هي لُغَةٌ فَصِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ وَنَظِيرُهُ خَرَّقْتُ الْقَمِيصَ خِرَّاقًا، وَقَالَ لِي أَعْرَابِيٌّ مِنْهُمْ عَلَى الْمَرْوَةِ يَسْتَفْتِينِي: الحلو أحب إليك أم العصّار؟ وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» كُنْتُ أُفَسِّرُ آيَةً فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ فَسَّرْتَهَا فِسَّارًا مَا سُمِعَ بِهِ، وَقُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَصْدَرُ كَذَّبَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:
فَصَدَقْتُهَا أَوْ كَذَبْتُهَا ... وَالْمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَّابُهُ
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نُوحٍ: 17] يَعْنِي وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فكذبوا كذابا وثانيها: أن ينصبه بكذبوا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى كَذَّبُوا لِأَنَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ بِالْحَقِّ كَاذِبٌ وَثَالِثُهَا: أَنْ يَجْعَلَ الْكِذَّابَ بِمَعْنَى الْمُكَاذَبَةِ، فَمَعْنَاهُ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَكَاذَبُوا مُكَاذَبَةً. أَوْ كَذَّبُوا بِهَا مُكَاذِبِينَ. لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَاذِبِينَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُمْ كَاذِبِينَ فَبَيْنَهُمْ مُكَاذَبَةٌ وَقُرِئَ أَيْضًا كَذَلِكَ وَهُوَ جَمْعُ كَاذِبٍ، أَيْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كَاذِبِينَ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَذَّابُ بِمَعْنَى الْوَاحِدِ الْبَلِيغِ فِي الْكَذِبِ، يُقَالُ رَجُلٌ كَذَّابٌ كَقَوْلِكَ حَسَّانٌ وَبَخَّالٌ، فَيُجْعَلُ صِفَةً لِمَصْدَرِ كذبوا أي تكذيبا كذابا مفرطا كذبه.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ فَسَادَ حَالِهِمْ فِي الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ وَفِي الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ بَلَغَ إِلَى أَقْصَى الْغَايَاتِ وَأَعْظَمِ النِّهَايَاتِ بَيَّنَ أَنَّ تَفَاصِيلَ تِلْكَ الْأَحْوَالِ فِي كَمِّيَّتِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا معلومة له، وقدر له مَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ مِنَ الْعِقَابِ مَعْلُومٌ لَهُ، فقال:

[سورة النبإ (78) : آية 29]
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (29)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 31  صفحه : 19
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست